تعبير كتابي عن مدينة صيدا
صيدا مدينة ساحلية تقع شرقي البحر الأبيض المتوسط، وثالث أكبر المدن اللبنانية بعد بيروت وطرابلس وفقاً لعدد السكان، وعاصمة محافظة لبنان الجنوبي، وإحدى أقدم مدن العالم التي مازالت آهلةً إلى اليوم. تقع صيدا شمال صور بحوالي أربعين كيلومتراً، وجنوبي بيروت -العاصمة اللبنانية- بخمسةٍ وأربعين كيلومتراً. ولا يتطابق موقع صيدا الحالي مع موقع صيدون الكنعانية التي كانت موغلةً إلى الشرق أكثر (يدل على ذلك أنّ معظم الآثار الكنعانية المكتشفة وُجدت في القياعة، والهلالية وأخيراً في تلة شرحبيل بن حسنة في بفسطا شرقي المدينة الحالية)، وبينما انحصرت صيدا ضمن أسوارها حتى أواسط القرن التاسعَ عشرَ فقد أخذت -فيما بعد- بالتوسع نحو الشمال والشرق عبر البساتين التي تغطي سهلها. يبلغ عدد سكانها ما يقارب الـ250 الف نسمة حسب التقديرات المحلية لغياب الإحصاءات. 84% من السكان مسلمون سُنّة وحوالي 9% مسلمون شيعة وحوالي 6% مسيحيون عرب.
وصيدا مدينة عريقة ذات شهرة تاريخية واسعة، فقد كانت من أقدم دويلات المدن التي أسَّسها على شواطئ البحر المتوسط الكنعانيون (وهم الذين عرفهم الإغريق بالفينيقيّين في هذا السياق)، وبقيت لقرونٍ تتنافس مع صور في دورها كعاصمة سياسيةٍ واقتصاديةٍ للدويلات الكنعانية. تعرَّضتِ المدينة منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد لاجتياحاتٍ عديدةٍ أرهقتها سياسياً واقتصادياً وأدَّت إلى تراجع مكانتها منذ أن غزاها الملك الآشوري تغلث فلاسر الأول، ثم الملك البابلي نبوخذ نصر، ثم الإمبراطور الأخميني الفارسي قمبيز الثاني، ثم الإسكندر الكبير المقدوني، وأخيراً الرومان والبيزنطيون، كما تعرَّضت لزلازلَ عدة عبر تاريخها كان لبعضها آثار فادحة. دخل العرب المسلمون صيدا أثناء الفتح الإسلامي لبلاد الشام، وكانت معظم العهد الإسلامي عبارة عن بلدةٍ صغيرةٍ، وشهدت مناوشاتٍ ومعاركَ وانتقالاً للسيادة عدّة مراتٍ فترة الحروب الصليبية، وبالرغم من استعادة المماليك لها إلا أنها بقيت معرَّضةً -خاصةً في عهد المماليك البحرية (1250-1383م)- لغاراتٍ من القراصنة الأوروبيين.
لم تستعدْ صيدا أهميتها الحضارية والاقتصادية حتى ضمها الأمير فخر الدين المعني الثاني وشاد بها نهضةً عمرانيةً واقتصاديةً، وغدت -من بعدُ- مركز إيالة صيدا لمدّة قرنٍ تقريباً، قبل أن تنتكس مجدداً بعدما نقل أحمد باشا الجزار مركز الإيالة إلى عكا، وكذلك بسبب زلازل عدّة. تردَّت أحوال المدينة بفعل تبعات للحرب العالمية الأولى وآثارها، ثم وقعت تحت الاحتلال الفرنسي لأكثر من ربع قرن، ومنذ تلك الفترة توضحت مكانة صيدا مركزاً لجنوب لبنان. تعرَّضت المدينة لدمار كبيرٍ بسبب الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (82-1985)، وعرفت منذ العقد الأخير من القرن العشرين بعد الحرب الأهلية اللبنانية نمواً متسارعاً أدّى إلى تضخمها وتمددها نحو العديد من القرى المجاورة، وتقلّص المساحات الزراعية حولها.
تلعب صيدا دوراً استقطابياً مهماً على مستوى جنوب لبنان، وهي اليوم مركز محافظة لبنان الجنوبي ثالث محافظات لبنان وفقاً لعدد السكان ويتبعها ثلاثة أقضية، كما يوفر لها موقعها المتميز أن تكون صلة وصل بين الجنوب وبيروت، وبين الساحل والشوف وجزين. وقد ازدادت أهميتها بعد اكتمال الطريق السريع (الأوتوستراد) الجنوبي، وتتمركز في صيدا الدوائر الرسمية والمتاجر والمصارف والمؤسسات الخدمية والتعليمية والاستشفائية والصناعية الرئيسية، كما يؤمن لها مرفؤها فرصاً إضافية وخاصةً بعدما يجري توسيعه. تضم صيدا في ضواحيها مخيّميْن للاجئين الفلسطينيين هما مخيم عين الحلوة (أكبر مخيم في لبنان) ومخيم المية ومية.
تختلف المصادر في أصل اسم مدينة "صيدا"، فالبعض نسبه للجذر السامي "صيد" أي من صيد الأسماك، وهي المهنة التي امتهنها أهل المدينة قديماً لكثرة السمك على شواطئها. ووُضِعَت نظريات أخرى حول أصل الاسم، فيعتقد البعض أنه من الجذر اللاتيني واليوناني "صيدون" أو العبراني "صيدو"، واشتهرت المدينة باسم "صيدون العظيمة" في زمن يوشع بن نون. وينسب بعض المؤرخين التسمية لـ"صيدون بن كنعان بن حام بن نوح"، وهناك حكاية تزعم بأن باني المدينة كان الملك الآشوري الأسطوري بيلوس، والذي سمَّاها -حسب الحكاية- تيمّناً بابنته "صيد"، لكن الإغريق حرَّفوا الأسطورة ونسبوها إلى صيدوس بن إيجيبتوس زاعمين أنه من بناها. كما يُقال إن أحد أبناء كنعان ويُدعى "صيدونيوس" هو مؤسِّس المدينة وصاحب الإشادة باسمها.
يقول جاك نانتي المؤرخ الفرنسي في كتابه "تاريخ لبنان":
«إنّ أول مدينة أسسها الفينيقيون هي مدينة صيدا حوالي سنة 2800 ق. م، ثم بُنيت مدينة جبيل فأرواد فطرابلس.»
أما القديس أوغسطينوس فيقول:
«إن أقدم وأشهر الممالك هي مملكة صيدون التي وضع أساساتها بكر كنعان (صيدونيوس)، ودُعِيَت مدينة الصيادين إشارة إلى سلطانه الأبوي وشجاعته.»
تعليقات
إرسال تعليق