خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف
«أحوال الفرج والشدة»
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ سيدَنَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وصحبهِ، ومن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
وبعدُ:
فمن سننِ اللهِ تعالي في خلقهِ أنْ جعلَ الحياةَ دائرةً بين الشدةِ والفرجِ والضيقِ والسعةِ، والحزنِ والسرورِ. وأهلُ الإيمانِ هم الذين يكونون في هذه الأحوالِ كلِّهَا بين الصبرِ والشكرِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صلي اللهُ عليه وسلم): “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا الْمُؤْمِنِ – إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”
ومِن جميلِ أفعالِ اللهِ تعالي أنّه (سبحانَهُ) يأتي بالفرجِ بعدَ الشدةِ، واليسرِ بعد العسر، حيثُ يقولُ تعالي: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، فإذا ضاقَ الأمرُ اتسعَ، ولن يغلبَ عسرٌ يسرين، وليس بعد الشدةِ إلا الفرجُ، ولا بعد العسرِ إلا اليسرُ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا (صلي اللهُ عليه وسلم): (وأنّ الفرجَ مع الكَرْبِ، وَإِنَّ مع العُسْرِ يُسْرًا).
والمتأملُ في سيرِ الأنبياءِ (عليهم السلامُ) يجد هذا المعني متجلِّيًا، فهذا سيدُنُا يعقوبُ (عليه السلامُ) يفْقِدُ أحبَّ أولادهِ إليه سيدَنَا يوسفَ (عليه السلامَ)، ثم يفْقِدُ ابنَهُ الثاني بعد سنين، حتي فَقَدَ بصرَهُ من شدةِ بكائِهِ وحزنِهِ علي فراقِ ولديهِ “وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” غيرَ أنّه لم يَفقدْ الأملَ، حيثُ قال كما حكي القرآنُ الكريمُ علي لسانهِ :” يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ “.
ويأتِيه الفرجُ من اللهِ (عزّ وجلّ) بعدَ الشدةِ والبلاءِ فيردُّ اللهُ إليه بصرَهُ وولدَيهِ، حيثُ يقولُ تعالي: “فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ “.
وقد نجَّى اللهُ تعالي نبيَّهَ يونسَ (عليه السلامُ) من ظلماتِ البحرِ، والليلِ، وبطنِ الحوتِ، فتحولَ العسرُ يسرًا، والضيقُ فرجًا، حيثُ يقولُ تعالي: “وذَا النونِ إذْ ذهبَ مغاضبًا فظنَّ أن لن نقدرَ عليه فنادى في الظلماتِ أن لا إله إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمين * فاستجبنَا له ونجينَاهُ من الغمِّ وكذلك ننجي المؤمنين “
ويرزقُ اللهُ تعالي سيدَنَا زكريا (عليه السلامُ) بالولدِ بعدما كَبُرتْ سنُّهُ، ورَقَّ عظمُهُ، وهَزُلَ لحمُهُ، واشتعلَ رأسُهُ شيبًا، وأجاب دعاءَهُ إذا دعاه “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًۢا بِكَلِمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ”.
والمتدبرُ في نصوصِ الشريعةِ الإسلاميةِ يجد أنّ اللهَ (عزّ وجلّ) جعلَ للفرجِ أبوابًا ومفاتيحَ، منها: لزومُ التقوى، واللجوءُ إلي اللهِ سبحانَه بالدعاءِ، وذكرُ اللهِ سبحانَه، حيثُ يقولُ تعالي: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًا”
ويقولُ سبحانَهُ: “أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ”
وكان نبيُّنًا (صلي اللهُ عليه وسلم) يدعو بهذه الكلماتِ عند الكربِ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)، ويقولُ صلي اللهُ عليه وسلم): (مَن أصابَهُ همٌّ أو غمٌّ أو سقَمٌ أو شدَّةٌ فقالَ: اللهُ ربِّي لا شريكَ لهُ. كُشِفَ ذلِكَ عنهُ).
تعليقات
إرسال تعليق