معلومات عن البرق
البَرْق (الجمع: بُروق) ظاهرة طبيعية بصرية تظهر في صورة شرارة كهربائية، والتي تنشأ عن تفريغ مفاجئ وعنيف في مناطق الغلاف الجوّي المشحونة. غالبًا ما يتشكّل البرق أثناء العواصف الرعدية؛ إذ إنّ الرعد هو صوت موجة الصدمة الناتجة عن ازدياد الضغط المفاجئ للجزيئات الغازية. عندما يكون التفريغ الكهربائي شديدًا بين السحاب وبين جسم مشحون على الأرض يسمّى البرق والرعد المصاحب له حينها بالصاعقة.
هناك ثلاثة أصناف رئيسية للبروق وذلك حسب مكان التفريغ، وهي المتشكّلة إمّا داخل سحابة العاصفة الرعدية أو بين السحب أو بين السحب والأرض. توجد عدّة أشكال ظاهرية للبرق يبلغ عددها حوالي 15 منها: برق عديم الرعد، والذي يشاهد ولا يُسمَع صوت رعده؛ وكذلك البرق الجاف، والذي يسبّب العديد من حرائق الغابات.
لكي تحدث عمليّة تفريغ كهربائي ينبغي توفّر شرطين أساسيّين؛ الأوّل: وجود فرق جهد كبير بالشكل الكافي بين منطقتين في الفضاء؛ والثاني: وجود وسط عازل يحول دون معادلة الشحنة، وهو الأمر الذي يؤمّنه الهواء في الغلاف الجوّي. من المعلوم أنّه خلال العاصفة الرعدية يحدث هناك فصل بين منطقتين مختلفتين في نمط الشحنة الكهربائية داخل السحابة؛ إلّا أنّ الآلية التفصيلية لعمليّة تشكّل البرق ما تزال غير مفهومة بالكامل.
نظريات التشكل
يتشكّل البرق عادةً داخل المزن الركامي، والتي تسمّى أيضًا سحابة العاصفة الرعدية، وذلك من حدوث عملية تفريغ كهربائي، والتي تتمثّل بوميض البرق. لكي تحدث عملية التفريغ لا بدَّ من حدوث فصل للشحنات الكهربائية عن بعضها؛ إلّا أنّ عملية التفريغ الكهربائي الفعلية هي المرحلة الأخيرة من عملية معقّدة جدًّا. ما يجعل الأمرَ معقّدًا هو التباين الواضح بين عملية تشكّل البرق طبيعيًا وبين التجارب المخبرية لتشكيل البرق في وسط غازي، إذ أنّ الحركية الكبيرة للجزيئات تُصعّب من مهمّة فصل الشحنات الكهربائية عن بعضها والإبقاء عليها كذلك لفترة طويلة، خاصّةً من غير استخدام تجهيزات تقنية من أجل محاكاة تشكّل البرق طبيعيًا. ما تزال الآلية الكاملة لتشكُّل البرق والصواعق محطَّ دراسةٍ وتحقيقٍ علمي.
إن أكثر أنواع البرق دراسةً هو البرق المتشكّل بين السحاب والأرض (CG)؛ على الرغم من الشيوع الأكبر لومضات البرق داخل السحاب (IC) وبين السحب (CC) إلّا أنّه يصعب دراستها بسبب عدم وجود نقاط مادّية فيزيائية للمراقبة وللقياس على مستوى السحب، بالإضافة إلى صعوبة التنبّؤ بزمان ومكان حدوث ومضات البرق أو الصواعق في الأنواع الأخيرة. ولكن من حيث المبدأ، يمكن تعميم الملاحظات والنتائج المستحصَل عليها من البرق المتشكّل بين السحاب والأرض على باقي أنواع البروق.
البرق السالب والبرق الموجب
حسب اتجاه حركة الإلكترونات يمكن التمييز بين البرق السالب والبرق الموجب. على العكس من الاعتقاد الشائع فإنّ البرق الموجب لا ينشأ بالضرورة من منطقة السندان أو المنطقة العليا موجبة الشحنة، ولا يتشكل في المنطقة الخالية من المطر خارج السحابة الرعدية. هذا الاعتقاد يعود منشَؤُهُ إلى الفكرة المندثرة أنّ قائد البرق هو أحادي القطبية بطبيعته، وأنه ينشأ من منطقة الشحنة الموافقة. تميل صواعق البرق الموجبة لأن تكون أشدّ من نظيرتها السالبة، بالتالي فإنّ صواعق البرق الموجب أكثر خطورة من نظيرتها السالبة، وخاصّةً في احتمالية إشعال الحرائق. كما وُجدَ أنّ البرق الموجب هو المسبّب لحدوث ومضات البرق الصاعدة للأعلى من قمم الأبنية المرتفعة، وهو غالباً المسؤول عن بداية تشكّل بروق العفاريت في طبقات الغلاف الجوّي العليا على ارتفاعٍ يصل إلى عشرات الكيلومترات فوق سطح الأرض.
تميل البروق الموجبة لأن تتشكّل بشكلٍ أكبر في العواصف الثلجية، كما هو الحال مثلًا في العواصف الرعدية الثلجية؛ وأثناء الأعاصير القُمعية (الدوّامية)؛ وأثناء مرحلة تبدُّد العواصف الرعدية.
اقتُرحَت ستّ نظريات مختلفة عن تشكّل البرق الموجب الهابط إلى الأرض من السحاب:
هبوب ريحٍ شاقوليةٍ (عموديةٍ) تقوم بإزاحة منطقة الشحنة الموجبة أعلى سحابة العاصفة الرعدية ممّا يكشفها ويعرّضها إلى سطح الأرض.
فقدان المنطقة المشحونة السفلى أثناء مرحلة تبدّد العاصفة الرعدية، ممّا يترك المنطقة موجبة الشحنة مسؤولةً عن تشكّل البرق.
حدوث ترتيب معقّد من المناطق المشحونة داخل سحابة العاصفة الرعدية، ممّا ينتج عنه تشكّل «ثنائي قطب معكوس»، تكون فيه المنطقة سالبة الشحنة الرئيسية فوق المنطقة موجبة الشحنة، بدلاً من أن تكون أسفلها كما هو شائع.
أن توجد على غير العادة منطقةٌ ذات شحنةٍ موجبةٍ كبيرةٍ في سحابة العاصفة الرعدية.
حدوثُ قطعٍ في قائدٍ سالبٍ ممتدٍّ عن قناته الأصلية، ممّا يؤدّي إلى تشكيل قائدٍ جديدٍ ثنائيٍّ الاتّجاه تقوم فيه النهاية الموجبة بتشكيل وميض البرق، والذي يُشاهد عادةً في «ومضات السندان» أو «ومضات العنكبوت الزاحف».
أن يتفرّع البرق الموجب من وميض برقٍ داخل السحاب.
الخواص
الزمن
يتطلّب تشكيل قنوات دليل البرق وحدوث عمليات التفريغ الثانوية حوالي 10 ميلّي ثانية (0.01 ثانية)؛ في حين أنّ عملية التفريغ الرئيسية تتمّ خلال 30 ميكروثانية فقط (0.00003 ثانية). تحتاج عملية تفريغ جديدة وسطياً إلى فاصلٍ زمنيٍّ بتراوح بين 30 - 50 ميلّي ثانية (0.03 - 0.05 ثانية).
السرعة
وسطياً فإنّ سرعة البرق تتراوح بين عُشْر إلى ثلث سرعة الضوء، إذ تبلغ معدّل سرعة تيّارات الضربة المرتدّة حوالي 100 ألف كيلومتر/الثانية. وجد الباحثون في جامعة فلوريدا أنّ السرعات النهائية لومضات البرق أحادية الأبعاد من مجموع 10 ومضات تتراوح بين 1.0×105 و 1.4×106 م/ثا بمتوسّط مقداره 4.4×105 م/ثا. وهو ما تستطيع العين المجرّدة تتبُّعَه إلى حدٍّ ما في مرحلة تشكّل قائد البرق، فالسرعات تصل إلى 300 كيلومتر في الثانية وذلك يعادل واحد على الألف من سرعة الضوء.
القطبية
يمكن للبرق المتشكّل من السحاب إلى الأرض أن يكون إمّا سالباً أو موجباً. ففي البرق السالب تنتقل الشحنة الكهربائية السالبة إلى الأرض على شكل إلكتروناتٍ على طول قناة البرق؛ أمّا في حالة البرق موجب الشحنة فتنتقل الإلكترونات من سطح الأرض باتجاه الأعلى على طول قناة البرق تاركةً وراءَها شحنةً موجبةً على سطح الأرض.
إلّا أنّ أغلب البروق الملاحَظة هي سالبة الشحنة، فالبرق موجب الشحنة أقلّ شيوعاً، وهو يمثّل ما نسبته أقلّ من 5% من كافّة ضربات البرق والصواعق. تتشكّل أثناء البروق الموجبة كمّيّات ضخمة من موجات الراديو ذات التردّد بالغ الانخفاض (ELF) والتردّد المنخفض جدّاً (VLF).
الطول
يختلف طول البرق حسب نوعه، فيبلغ متوسّط طول البرق السالب من 1 - 2 كم في المناطق المدارية؛ أمّا في المناطق الاستوائية فيتراوج طوله من 2 - 3 كم. بالمقابل فإن البرق الموجب له طول أكبر قد يصل إلى 10 كم، حيث يمتدّ من المناطق العليا للمزن الركامي. أمّا البرق بين السحاب فقد يتراوح طوله من 5 - 7 كم. قد تكون هناك حالات استثنائية يبلغ فيها طول وميض البرق قيماً كبيرةً جداً، كما حصل في إحدى المشاهدات فوق أوكلاهوما في الولايات المتحدة، إذ وصل طول البرق أفقياً إلى 321 كم.
شدّة التيّار الكهربائي
يبلغ متوسّط شدّة التيّار الكهربائي للضربة المرتدّة من 20 - 30 كيلوأمبير (30000 أمبير)، وذلك لوميض برقٍ نمطيٍّ ذي شحنةٍ سالبةٍ من السحاب إلى الأرض. قد تتالى عمليات التفريغ إثرَ بعضها بشكلٍ كبير قد يصل عددُها إلى حوالي 40 مرّة؛ يمكن اعتبار البرق حينها تيّاراً مستمرّاً نبّاضاً (مزيجٌ من تيّار مستمرّ ومتناوب) قصير الأجل.
تحمل ضربة البرق السالب وسطياً تيّاراً كهربائياً شدّته حوالي 30 ألف أمبير؛ وتنقل حوالي 15 كولوم من الشحنة الكهربائية؛ وحوالي 500 جول من الطاقة. يمكن أن تصل تلك المقادير في حالة الضربات القويّة من البرق السالب إلى 120 ألف أمبير و350 كولوم. بالمقابل، فإنّ شدّة البرق الموجب تبلغ وسطياً حوالي ضعفَ قيمة التيّار الأعظمي لوميض برقٍ سالبٍ نمطيّ، ويمكن أن تصل فيه شدّة التيّار الأعظمية إلى حوالي 400 ألف أمبير وكمّيّة شحنة تصل إلى عدّة مئاتٍ من الكولوم. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ومضات البرق الموجب ذات القيمة المرتفعة من شدّة التيّار عادةً ما تليها تيّارات أخرى طويلة الأمد نسبياً، وهي ظاهرةٌ لا تشاهد في ومضات البرق السالب.
المغناطيسية
من المعروف فيزيائياً أن حركة الشحن الكهربائية تولّد حقلاً مغناطيسياً؛ وهو ما يلاحظ عند حدوث البرق وضربات الصواعق، حيث تمرّ تيّارات تكون قادرةً على مغنطة الأجسام التي تمرّ عبرها، وتعرف هذه الظاهرة باسم المغناطيسية المتبقيّة من تحريض البرق (اختصاراً LIRM). تمرّ تلك التيّارات بمساراتٍ لها أقلّ مقاومةٍ ممكنة، وغالباً بشكلٍ أفقيٍّ بالقرب من السطح؛ ولكنّها تكون شاقوليةً في بعض الأحيان الأخرى، خاصّةً عند وجود أجسام باطنية مثل الخامات أو المياه الجوفية، والتي تؤمّن مساراتٍ ذات مقاومة أقلّ من التي على السطح. تقول إحدى النظريات أن حجر المغناطيس كان قد تشكّل بفعل هذه الظاهرة.
من الممكن رسم توزيع خرائطي لحالات المغنطة المتبقية بتحريض البرق، والإثبات التحليلي أن البرق كان في تلك الحالات مصدراً للمغنطة؛ بالإضافة إلى إمكانية تقدير قيمة التيّار الأعظمي لتفريغ البرق الكهربائي.
الأنماط / الأشكال الظاهرية
هناك ثلاثة أنماط رئيسية للبروق، والتي تختلف فيما بينها بمكان نهاية قناة وميض البرق:
داخل السحاب: وهو برق يتشكّل داخل سحابة العاصفة الرعدية.
بين السحب: وهو برق يبدأ من سحابة عاصفة رعدية وينتهي بسحابة عاصفة رعدية أخرى
من السحاب إلى الأرض: وهو برق يتشكّل داخل سحابة العاصفة الرعدية وينتهي على سطح الأرض.
هناك تحويرات لكلّ نمط، مثل وجود ومضات برق موجبة وسالبة، والتي تختلف بخواصّها وميّزاتها الفيزيائية عن بعضها.
برق من السحاب إلى الأرض
يتشكّل البرق من السحاب إلى الأرض من سحابة العاصفة الرعدية وينتهي على سطح الأرض. يبدأ تشكّل هذا النمط من قائد متدرّج هابط إلى الأسفل من السحابة، والذي يمكن أن يلتقي مع لسان نور صاعد من سطح الأرض.
يعدّ هذا النمط أقلّ أنواع البروق شيوعاً من حيث تكرارية التشكّل، ولكنّه بالمقابل أكثرها دراسةً بحكم سهولة إجراء الأبحاث عنه، لأنّه ينتهي على جسم فيزيائي صلب، ممّا يمكّن من تتبُّعِه وقياسه بالأجهزة على الأرض. من جهة أخرى، فإنّه أكثر أنماط البروق خطورةً على الأشخاص والممتلكات عندما يحدث التفريغ على شكل صاعقة.
تُرَى عمليّة التفريغ الكلّية على هيئة وميض، وتتألّف من عدّة مراحل تتضمّن الانهيار الأولي والقائد المتدرّج ومرحلة اتصال أكثر من قائد مع بعض والضربات المرتدّة والقائد الراشق والضربات المرتدّة المتعاقبة.
ظواهر متعلّقة بأنشطة بشرية
وُجدَ أنّ انفجار القنبلة الهيدروجينية يقوم بتحفيز تشكّل ومضات البرق داخل سحابة الانفجار الضخمة وذلك بسبب تزويد مواد إضافية تؤمّن الموصلية الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إشعاعات غاما الشديدة الصادرة عن الانفجارات النوويّة يمكن لها أن تشكّل مناطق مشحونة للغاية في حيّز الفراغ المحيط لمكان الانفجار عبر ظاهرة كومبتون. تقوم تلك المناطق المشحونة بتوليد ومضات البرق الناتجة عن التفريغ بعد فترةٍ قصيرةٍ من الانفجار.
وُجدَ أيضاً أنّ مسار التكاثف خلف الطائرات النفاثة قد يؤدّي في حالات نادرةٍ إلى التسبّب في تشكّل البرق، إذ يمكن لها أن تؤمّن مساراً من جزيئات بخار الماء ذي مقاومة أدنى في الهواء، ممّا يمهّد لتشكيل مسار أيوني ليَمُرَّ وميض البرق عبره. من الظواهر الأخرى القريبة من ذلك أيضاً ظاهرة شرر القديس إلمو، حيث تحدث عمليّات تفريغ جزئي قد تتطوّر إلى حدوث تفريغ كامل على هيئة وميض برق.
تعليقات
إرسال تعليق