هل تعلم عن حفظ اللسان
حفظ اللسان من الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة، والمقصود بحفظ اللسان ألّا يتحدث الإنسان إلّا بالخير، ويبتعد عن قبيح الكلام، وعن الغيبة والنميمة وغير ذلك، والإنسان مسؤول عن كلّ لفظ يخرج من فمه، حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، وهو نعمة كبيرة النفع والأثر إن سخر في جوانب الخير ومناحيه، وعظيم الخطر والضر، متى أضاع الإنسان رقابته عليه وأطلقه في كل شيء.
دعى الإسلام المؤمنين إلى حفظ ألسنتهم، وصونها عن الكلام فيما لا يجوز أو لا يصح أو لا يليق، وحذرهم من أن يوردهم اللسان موارد الهلاك إن هم لم يحفظوه كما ينبغي له.
في القرآن
- قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ~[ق: 18].
قال ابن كثير: («مَا يَلْفِظُ» أي: ابن آدم «مِنْ قَوْلٍ» أي: ما يتكلم بكلمة «إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ١٠ كِرَامًا كَاتِبِينَ ١١ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ١٢﴾ [الانفطار:10–12]).
وقال الشنقيطي: (قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ» أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام «إِلَّا لَدَيْهِ»، أي إلا والحال أن عنده رقيبًا، أي ملكًا مراقبًا لأعماله، حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء. «عَتِيدٌ»: أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر).
- وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ٢٤ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٥ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ٢٦ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ٢٧﴾ [إبراهيم:24–27].
في السنة
- عن أبي موسى الأشعري قال: «قلتُ: يا رسولُ اللّه، أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ"».
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: ((«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»)).
قال النووي: (وأما قوله ﷺ: ((فليقل خيرًا أو ليصمت))فمعناه: أنه إذا أراد أن يتكلم؛ فإن كان ما يتكلم به خيرًا محققًا يثاب عليه واجبًا أو مندوبًا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين؛ فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه، مندوباً إلى الإمساك عنه؛ مخافةً من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا). وقال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث آداب وسنن، منها التأكيد في لزوم الصمت، وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة، والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة).
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فأخبره النبي ﷺ بأركان الإسلام، وجملة أمور أخرى ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: «كف عليك هذا»، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». - وقال رسول الله ﷺ: (لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه).
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ((«من صمت نجا»)).
قال الغزالي: (من تأمل جميع... آفات اللسان علم أنه إذا أطلق لسانه لم يسلم، وعند ذلك يعرف سر قوله ﷺ: ((من صمت نجا))؛ لأن هذه الآفات كلها مهالك ومعاطب، وهي على طريق المتكلم، فإن سكت سلم من الكل، وإن نطق وتكلم خاطر بنفسه، إلا أن يوافقه لسان فصيح، وعلم غزير، وورع حافظ، ومراقبة لازمة، ويقلل من الكلام؛ فعساه يسلم عند ذلك، وهو مع جميع ذلك لا ينفك عن الخطر، فإن كنت لا تقدر على أن تكون ممن تكلم فغنم، فكن ممن سكت فسلم، فالسلامة إحدى الغنيمتين). وقال القاري: (... ((من صمت)): أي: سكت عن الشرِّ. ((نجا)): أي: فاز وظفر بكل خير، أو نجا من آفات الدارين).
- عن سهل بن سعد، عن رسول الله ﷺ قال: ((«من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»)).
قال ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث: (فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه، أو الصمت عما لا يعنيه ضمن له الرسول ﷺ الجنة... فإن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب، فإذا لم ينطق به إلا في خير سلم، وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر). وقال ابن عبد البر: (في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفرج، وما بين اللحيين الفم، وما بين الرجلين الفرج، ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر، وقذف المحصنات، وأخذ أعراض المسلمين، ومن الفم أيضا شرب الخمر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، ومن الفرج الزنى واللواط).
- وعن النبيّ ﷺ قال: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ».
تعليقات
إرسال تعليق