بالتأكيد، لنوضح مفهوم النظرية الاجتماعية ونتناول مسألة "صاحب" هذه النظرية.
1. ما هو مفهوم النظرية الاجتماعية؟
النظرية الاجتماعية (Social Theory) ليست نظرية واحدة محددة، بل هي مجموعة واسعة ومتنوعة من الأفكار، المفاهيم، الأطر التفسيرية، والمنهجيات التحليلية التي تهدف إلى:
فهم وشرح كيفية عمل المجتمعات البشرية.
تحليل البنى الاجتماعية (مثل المؤسسات، الطبقات، العائلات، المنظمات).
تفسير الظواهر الاجتماعية (مثل التغير الاجتماعي، الصراع، التعاون، الانحراف، السلطة).
الكشف عن الأنماط والعلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات داخل المجتمع.
بشكل مبسط، النظرية الاجتماعية هي الأدوات الفكرية التي نستخدمها للنظر إلى المجتمع وفهمه بطريقة منهجية وعميقة، تتجاوز مجرد الوصف السطحي أو الآراء الشخصية. هي محاولة للإجابة على أسئلة أساسية مثل:
كيف يتكون المجتمع ويتغير؟
ما الذي يجمع الناس معاً ويفرقهم؟
كيف تُمارس السلطة وتُقاوم؟
ما هي أسباب عدم المساواة؟
كيف يؤثر الأفراد في المجتمع وكيف يؤثر المجتمع في الأفراد؟
النظرية الاجتماعية تختلف عن "النظرية" في العلوم الطبيعية (مثل نظرية الجاذبية أو نظرية التطور) التي قد تكون قابلة للإثبات أو الدحض بشكل قاطع من خلال التجربة. النظريات الاجتماعية غالباً ما تكون تفسيرية وتأويلية، وتوفر وجهات نظر مختلفة لفهم الواقع الاجتماعي. غالباً ما تتنافس النظريات الاجتماعية مع بعضها البعض، وكل نظرية قد تسلط الضوء على جانب معين من جوانب الحياة الاجتماعية.
2. من هو صاحب النظرية الاجتماعية؟
لا يوجد صاحب واحد أو مؤلف واحد للنظرية الاجتماعية. هذا سؤال ينبع من فهم خاطئ لمفهوم النظرية الاجتماعية ككيان واحد.
كما ذكرنا، النظرية الاجتماعية هي مجال دراسي وفكري واسع ومستمر التطور، شارك في بنائه وتطويره عدد كبير جداً من المفكرين والفلاسفة والعلماء على مر العصور، من مختلف الخلفيات والتخصصات (مثل الفلسفة، علم الاجتماع، علم الإنسان، العلوم السياسية، التاريخ).
ومع ذلك، هناك بعض الشخصيات التأسيسية التي يعتبر عملها حجر الزاوية في النظرية الاجتماعية الحديثة، خصوصاً في سياق علم الاجتماع كعلم مستقل. أبرز هؤلاء هم ما يُعرف بـ "الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع/النظرية الاجتماعية الكلاسيكية":
كارل ماركس (Karl Marx): ركز على الصراع الطبقي، الرأسمالية، الاقتصاد كوسيلة لفهم المجتمع، وتاريخ المجتمعات كتاريخ صراع بين الطبقات.
ماكس فيبر (Max Weber): اهتم بالسلطة، البيروقراطية، الأهمية الثقافية والدينية، العمل الاجتماعي الفردي، والعقلنة في المجتمع الحديث.
إميل دوركهايم (Émile Durkheim): ركز على الحقائق الاجتماعية، التضامن الاجتماعي، تقسيم العمل، والدور الاجتماعي للدين.
هؤلاء الثلاثة وضعوا أسسًا رئيسية لتحليل المجتمع، وظهرت من بعدهم وتطور عن أعمالهم مدارس نظرية مختلفة (مثل الوظيفية، الصراع، التفاعلية الرمزية، النظرية النقدية، البنيوية، ما بعد البنيوية، إلخ)، كل منها يقدم منظوراً مختلفاً لفهم المجتمع.
إذن، عند الحديث عن "النظرية الاجتماعية"، نحن نتحدث عن إرث فكري تراكمي لمئات السنين، ساهم فيه عدد لا يحصى من المفكرين، ولا يمكن نسبته إلى شخص واحد.
تعليقات
إرسال تعليق