اعلان

بحث عن التفسير والتأويل

 بحث عن التفسير والتأويل

التفسير في اللغة: يعني الإبانة والكشف وإظهار المعنى.

و في الاصطلاح: هو علم يبحث عن كيفيّة الفَهم لألفاظ القرآن الكريم ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تُحمَل عليها حالة التركيب. وقد قال الله تعالى:?وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً? أي بياناً وتفصيلاً، وقد عرّفه الزركشي بأنّه علمٌ يُفهَم به كتاب الله تعالى المـُنزَل على نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمِه.

أمّا التأويل فهو في اللغة: مأخوذ من الأَوْل. وهو الرجوع إلى الأصل، يُقال آلَ إليه أَوْلاً ومآلاً. أي مرجِعا، ويُقال: أوَّلَ الكلام تأويلاً، وتأَوّله: أي دبّره وقدّره وفسّره.

والتأويل في الاصطلاح له معنيان:-

المعنى الأوّل: تأويل الكلام بمعنى ما أراده المتكلّم في الواقع، والكلام إنّما يرجع ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود.أي معناه تطبيق الكلام على حقيقته، وهو بهذا المعنى يفترق عن التفسير.

المعنى الثاني: تأويل الكلام أي تفسيره وبيان معناه، ومن هذا يتّضح أن التفسير والتأويل لفظان مترادفان في أشهر المعاني اللغوية كما في دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس بقوله صلوات الله وسلامه عليه وآله: «اللهمّ فقّهّه في الدين وعلّمه التأويل».

والفرق بين التفسير والتأويل من وجوه هي:

أوّلاً: إنّ التأويل هو نفس المراد بالكلام، فتأويل الخبر هو نفس الشيء المخبَر به. فعلى هذا يكون الفرق كبيراً بين التفسير والتأويل، لأنّ التفسير شرح وإيضاح للكلام. أمّا التأويل فهو نفس الأمور الموجودة في الخارج. وقد ضربوا لذلك مثلاً وهو: إذا قيل طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طُلوعُها. وهذا هو الغالب في لغة القرآن الكريم. قال تعالى:?أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ? فالمراد بالتأويل هنا وقوع المخبر به.

ثانياً: قيل إنّ التفسير: هو ما وقع مبيَّناً في كتاب الله تعالى، أو معيَّناً عليه في صحيح السُنَّة لأنّ معناه قد ظهر واتّضح. والتأويل: هو ما استنبطه العلماء، ولذا قال بعضهم التفسير هو ما يتعلّق بالرواية والتأويل هو ما يتعلّق بالدراية. وهذا ما قاله السيوطي في كتاب الإتقان.

ثالثاً: قيل إنّ التفسير هو: ما كثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها، والتأويل هو ما كثر استعماله في المعاني والجمل.

رابعاً: الفرق بين التفسير والتأويل أنّ التفسير هو البحث عن سبب نزول الآية، والخوض في بيان موضع الكلمة، من حيث اللغة.والتأويل هو التفحّص عن أسرار الآيات، والكلمات، وتعيين أحد احتمالات الآية. وهذا إنّما يكون في الآيات المحتملة لوجوه مختلفة، نحو قوله تعالى:?والشفع والوتر? ، وكقوله:?وشاهد ومشهود? فإنّ هذه الآيات ونظائرها تحتمل معاني مختلفة، فإذا تعيّن عند المؤوِّل أحدها، وترجّح، فيقال حينئذ: إنّه أوّلَ الآية.

شروط المفسِّر:

يُشتَرَط أن يكون المفسّر *صحيح العقيدة؛ لأنّ صحة العقيدة لها أثر كبير في نفس صاحبها، وما يتأثّر به الإنسان يظهر في كلامه منطوقاً ومكتوباً.

*التجرّد عن الهوى، فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذاهبهم ولو كانت على غير حقّ.

*أن يطلب أوّلاً تفسير القرآن بالقرآن، فإنّ القرآن يفسّر بعضُه بعضاً، فما جاء منه مُجمَلَاً منه في موضع، فإنّه قد فصّله في موضع آخر، وما اختصر منه في مكان فإنّه قد بسطَه في مكان آخر .. وهكذا.

* أن يطلب تفسير القرآن بالسُنَّة النبويّة، وذلك لأنّ السُنّة شارحة للقرآن وموضّحة له، وقد ذكر القرآن الكريم أنّ أحكام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم التي كان يحكم بها هي نوعٌ من الوحي وقد بيّن ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:?إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ?. ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلم «أَلَا إنّي أُوتِيتُ القرآنَ ومثلَه معَه» أي السُنّة.

*أن يستعينَ بأقوال الصحابة الخُلّص، لأنّهم أدرى بذلك لمشاهدتهم العديد من القرائن والأحوال والحوادث عند نزول القرآن الكريم، ولِما لهم من خصوصيّة الفهم الواسع والعلم الصحيح والعمل الصالح مع الإخلاص الكامل لله ولرسوله.

*أن يستعين بأقوال التابعين، فإذا لم يجد التفسير في القرآن ولا في السُنّة ولا في أقوال الصحابة. فإنّه يرجع إلى أقوال التابعين وقد رجع كثير من الأئمة إلى أقوال التابعين كمجاهد، وسعيد بن جُبير، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، والحسن البصري وغيرهم، ومن التابعين من تلقّى التفسير عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

*أن يكون عالماً باللغة العربيّة وفروعها، لأنّ القرآن نزل بلُغة العرب، ولا بدّ للمفسِّر من معرفة مفردات الألفاظ عند الشرح حتى لا يقول في كلام الله تعالى ما لا يجوز ولا يليق. وقد قيل في هذا (لا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلّم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب).

*أن يكون عالماً بالعلوم المتّصلة بالقرآن وعلم التوحيد، حتى لا يؤوِّل آيات الكتاب العزيز التي في حقّ الله تعالى وصفاته تأويلاً يتجاوز به الحقّ والصواب، كما يجب عليه أن يكون عالماً بعلم الأصول، وأصول التفسير خاصّة والناسخ والمنسوخ ونحو ذلك من العلوم التي تتعلّق بالقرآن الكريم.

*أن يتمتّع بدقّة الفهم- أو الموهبة- كما قال السيوطي في كتاب الإتقان، وهي التي بها يتمكّن المفسّر من ترجيح معنى على معنى آخر. وهذا علم يورّثه الله تعالى لمن عَمِل بما عَلِم. كما ورد في الحديث الشريف: «من عَمِل بما عَلِم ورّثه الله تعالى علمَ ما لم يعلم»


أنواع التفسير:

يقسّم العلماء التفسير إلى نوعين رئيسين هما: التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي أو التفسير بالرواية والتفسير بالدراية.

أولا:التفسير بالمأثور:

هو كلّ تفسير يعتمد على المصادر التفسيرية: القرآن والسنّة وأقوال الصحابة- رضوان الله عليهم- ومنهم من يضيف أقوال التابعين، وخير ما يمثّل هذا اللون من التفسير هو تفسير (الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور) للسيوطي، وهناك من يعتبر تفسير ابن جرير الطبري وابن كثير من التفسير بالمأثور مع كونِهما يحويان كثيراً من الاجتهادات والتوجيهات والترجيحات التي تعتمد على الدراية والرأي والاجتهاد، ومع ذلك فهما كتابان عظيمان في التفسير بالمأثور ولكنّهما لا يخلوان من التفسير بالرأي.


ثانياً: التفسير بالرأي:

ومعنى الرأي هو الاعتقاد، و الاجتهاد، و قياس بعض المواقف على ما يشبهها، وعليه فالتفسير بالرأي، عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب وطرقهم في القول وفنون الكلام، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، واستعانته في ذلك بكلام العرب كالشعر الجاهليّ، ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسِّر وهذا النوع جوّزه العلماء اعتماداً على الأمر الإلهي بتدبّر القرآن قال تعالى:?كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ?. وكذلك فقد حثّ الرسول صلّى الله عليه وآله على ذلك عندما دعا لابن عباس رضي الله عنهما بقوله:«اللهم فقّهّهُ في الدين وعلّمهُ التأويل». وكذلك فإنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اختلفوا في تفسير آيات من القرآن ممّا لم يبيّنه لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلو كان النظر والاجتهاد ممنوعاً لكان الصحابة قد وقعوا في معصية الله تعالى.

وبعض العلماء يرفض التفسير بالرأي وذلك إذا كان غير جارٍ على قوانين اللغة العربية، ولا موافقاً للأدلّة الشرعية، ولا مستوفياً لشرائط التفسير التي ذكرها المفسّرون.واستَدَلُّوا لمنعه من خلال نهي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عن تفسير القرآن بالرأي بقوله:«من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»، وكذلك إذا لم يُحكِم المفسِّر أدوات التفسير كالعلم بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وأمثال ذلك.

وكذلك إذا تجنّب المفسِّر وضع اللغة، لأنّ الخروج بالكلمة أو الجملة عن المراد بهما يُعَدّ تعطيلاً لهما، والكلام إنّما هو لإفهام معانٍ معيّنة منها،كتفسير مَن فسَّر قوله تعالى في حقّ أهل النار:?لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً? أي أزماناً ثم يخرجون منها، مع أن المراد من الآية لابثين فيها أحقاباً بعد أحقاب لا يخرجون منها، كما نُقِل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

نشأة علم التفسير:

لقد أُنزِل القرآن الكريم عربيّاً، على رسول عربيّ، بلسان عربيّ مُبين، فكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يَفهَم القرآن جملة وتفصيلاً، وقد تكفّل الله تبارك وتعالى بتبيان القرآن وتحفيظه لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمره أن يبيّنه لأصحابه، كما جاء في القرآن الكريم:?وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ? وكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يفهمون القرآن لأنّه نزل بلغتهم، وإن كان بعضهم لا يفهم بعض دقائقه.

وكان الصحابة رضي الله عنهم جميعاً يعتمدون مناهج عدّة في تفسيرهم للقرآن في عصر الإسلام الأوّل منها الآتي:-

أولاً: تفسير القرآن بالقرآن، وكان هذا هو المصدر الأوّل لهم، فما جاء منه مُجمَلاً في موضع، جاء مبيّنا في موضع آخر، وما جاء منه عامّاً مطلقاً، جاء مقيّداً مخصّصاً في موضع آخر من القرآن. وهذا الذي يسمّى (تفسير القرآن بالقرآن).

ثانياً: تفسير القرآن بالسُنّة: فكان المصدر الثاني لهم هو المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهو المبيّن للقرآن والموضّح له بسنّته الجامعة من قول أو فعل أو إقرار، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يرجعون إليه إذا أشكل عليهم فَهمُ آية من الآيات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية:?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ? شقَّ ذلك على الناس.أي صَعُبَ فقالوا: يا رسول الله وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّه ليس الذي تعنون، أَلَم تسمعوا ما قال العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ إنّما هو الشرك» أي معنى الظلم هو الشرك.

ثالثاً: الفَهم والاجتهاد: وكان هذا المصدر الثالث لهم، فكان الصحابة إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى، ولم يَصِلوا لشيء في ذلك من عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اجتهدوا في فَهمِهم. فهم من خُلَّص العرب، يعرفون العربية جيّداً، ويُحسِنون فهمَها وخصائصها كما كانوا يعرفون وجوه البلاغة فيها.


مقالات ذات صلة

تعليقات