تحدث جميع الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله تعالى عن الموت والحياة الآخرة، لأن الإيمان باليوم الآخر ركن أساسي في الرسالات السماوية. وإن اختلفت التفاصيل أو السياقات التي وردت فيها أقوالهم بحسب أقوامهم وأزمنتهم، إلا أن الجوهر واحد.
يمكن تلخيص نظرة الأنبياء للموت وتعاليمهم حوله في النقاط التالية، مع الاستشهاد بما ورد في القرآن والسنة بشكل أساسي (لأنها المصادر الأكثر حفظاً وتوثيقاً في الإسلام):
الموت حقيقة لا مفر منها (Certainty of Death):
كل الأنبياء أكدوا أن الموت قدر محتوم على كل نفس، وأنه بأمر الله وحده.
القرآن يقرر هذه الحقيقة: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (آل عمران: 185، الأنبياء: 35، العنكبوت: 57). هذه الآية عامة تشمل الجميع.
القرآن يخاطب النبي محمد ﷺ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ (الزمر: 30). تأكيداً على أن حتى الأنبياء يموتون.
الموت ليس نهاية بل بداية (Death as Transition, Not End):
علم الأنبياء أقوامهم أن الموت هو انتقال من دار العمل (الدنيا) إلى دار الجزاء (الآخرة).
قصة إبراهيم عليه السلام: تدل على إيمانه العميق بالبعث بعد الموت، كما في طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى (البقرة: 260).
تعاليم عيسى عليه السلام: كما ورد في القرآن، أكدت على الحياة الآخرة والجزاء. (مع ملاحظة أن الإسلام يؤكد رفعه إلى السماء وليس موته بالطريقة المعروفة).
تعاليم محمد ﷺ: كما ذكرنا سابقاً، فصلت أحوال البرزخ (حياة القبر) والبعث والحساب والجنة والنار.
الحث على الاستعداد للموت (Preparation for Death):
كانت دعوة الأنبياء دائماً مرتبطة بالإيمان بالله والعمل الصالح، وهما الزاد الحقيقي لما بعد الموت.
نوح عليه السلام: دعا قومه 950 سنة، محذراً إياهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة إن لم يؤمنوا ويعملوا صالحاً.
موسى عليه السلام: ذكّر فرعون وقومه بالله واليوم الآخر، وحذرهم من عاقبة الكفر.
محمد ﷺ: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (رواه الحاكم وصححه الألباني).
التذكير بالغاية من الحياة (Purpose of Life):
بين الأنبياء أن الحياة الدنيا دار اختبار وابتلاء، وأن الموت هو الذي يكشف نتيجة هذا الاختبار.
القرآن: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (الملك: 2).
مواقف الأنبياء الشخصية من الموت:
موسى عليه السلام: ورد في حديث صحيح (رواه البخاري ومسلم) قصة مجيء ملك الموت إليه، وكيف أنه في البداية لطمه (فقأ عينه)، ثم خيّره الله بين الحياة والموت فاختار لقاء ربه. وهذا يدل على الشوق للقاء الله بعد انتهاء الرسالة.
محمد ﷺ: خُيِّر أيضاً عند دنو أجله بين الخلد في الدنيا ثم الجنة، وبين لقاء ربه، فاختار الرفيق الأعلى (لقاء الله). (متفق عليه). وهذا يظهر مكانة لقاء الله عند الأنبياء.
خلاصة:
أقوال الأنبياء وتعاليمهم حول الموت تدور حول كونه حقيقة يقينية، ونقطة انتقال للحياة الأبدية، وضرورة الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح، وأن مآل الإنسان بعد الموت يعتمد على عمله في الدنيا. الرسالة المحورية هي أن الحياة الدنيا ليست الهدف النهائي، بل هي مزرعة للآخرة. وقد جاءت رسالة النبي محمد ﷺ لتفصل وتؤكد هذه المعاني بأوضح صورة.
تعليقات
إرسال تعليق